الأربعاء، 17 سبتمبر 2008

حل المجالس العربية...أزمة إقتصادية أم خطة إستراتيجية!


رائد دلاشـة

لا يختلف إثنان هذه الأيام على أن الحكم المحلي في البلدات العربية بات على شفا الإنهيار، إن لم نقل انه إنهار فعلياً. تجربة اللجان المعينة من قبل الحكومة الإسرائيلية في البلدات العربية كانت الدليل الأقوى على هذه الأزمة، حيث وصل عدد السلطات العربية التي حلت إلى 15 من اصل 64 سلطة محلية عربية.
ما يقلق اليوم هو أن حل السلطات العربية بات مشهدا يكاد يكون عاديا في البلدات العربية، بعد أن أضحى حلم المواطن العادي يتوقف عند عدم قطع المياه عنه أو أن تجمع النفايات من الحي الذي يقطنه!. هذا الحلم إستطاعت اللجان المعينة تحقيقه على مدار العام، مما جعل المواطن يعيش حالة من الرضى بعد أن ذاق ويلات إدارات المجالس السابقة، التي إستماتت من أجل صرف وعوداتها الإنتخابية وتلبية أطماع الشركاء الذين أوصلوها إلى موقعها، من خلال صفقات فئوية حمائلية وطائفية أحيانا، أوصلتنا إلى هذه المرحلة.
السؤال الذي يطرح: كيف إستطاعت الأقلية الفلسطينة أن توحد صفوفها بعد عام 48 وتجاوز الحكم العسكري، وأن تفرز قيادات عملت على تنظيمها سياسيا وأنجزت تغيرات إيجابية في المشهد السياسي والثقافي، وحيزا جديدا من الحريات والحصول على الحقوق، إلى جانب التمسك بالخط الوطني، رغم السياسات العنصرية والفاشية التي ما زالت قائمة والتي تحتم وضع إستراتيجية نضالية لمجابهتها والتصدي لها. كيف لهذه الأقلية اليوم أن يتوقف حلمها عند حد الحصول على المياه وخدمات الصرف الصحي!
لا يمكن أن نشخص الواقع التي تعيشه جماهيرنا إلا كحالة من فقدان البوصلة والرؤى السياسية، التي تتحمل حركاتنا السياسية مسؤوليتها بعد أن تركت الساحة المحلية وقصرت في توظيف أفكارها وبرامجها الوطنية في سبيل التأثير على المجتمع المدني، وتجاوز النزعات العائلية والطائفية السائدة ، التي إستغلتها وأججتها مجموعات محلية بغية تحقيق أطماعها وتحقيق مخططات السلطة التي أرادت وقف المد الوطني والنهوض الثقافي والتعليمي في البلدات العربية.
هذا الأمر خلق فراغا ومساحة كبيرة بين موقف الحركات السياسية وبين المواطنين الذي أخذوا يرون بهذه "المجموعة المشبوهة" عنوانا لتلبية طموحاتهم في التوظيف والحياة اليومية إلى حد التذرع لها للحصول على أدنى الخدمات التي يحصل عليها مواطن عادي في مجتمعات العالم الثالث، ليصبحون رهينة بأيدي أذرع السلطة التي سعت من خلالهم لضرب الحركات السياسية وخلق هذا الفراغ.
والأنكى من ذلك هو إن تحذو بعض الحركات السياسية حذو هذه المجموعات في سبيل الوصول إلى المجالس البلدية من خلال التركيبات العائلية والطائفية في البلدات العربية، كتكتيك وكرد فعل سريع من أجل محاصرة هذه المجموعات وتقزيمها. وهنا وقعت هذه الحركات في مطب ومأزق كبير، كرس الجهل والتعصب العائلي وجعلها تنسى طروحاتها وأفكارها في بناء مجتمع حديث حضاري ومتنور، وبالتالي أفقدها هيبتها على الساحة المحلية والقطرية وحتى في مواجهة مخططات السلطة.
هذا الواقع المرير الذي أعتقد أنه قابل للتغيير، عملت السلطة على إستثماره في سبيل إعادة مجتمعنا العربي إلى عقود مضت، تواجدت فيه بقوة في كل بلدة وحارة، بغية إعادة ترتيب أوراقها من جديد على إعتبار العرب "خطر إستراتيجي"، يجب العمل على أسرلتهم والتضييق على توسعهم والعمل على تجهيلهم، مستغلين ألأزمات المالية لبعض السلطات المحلية لتنفيذ ذلك.
ولهذا لا نستغرب ما يدور في أروقة اللجان المعينة التي يقف على رأسها خبراء يهود في "العقول العربية"، من محاولات التدخل السافر في جهاز التعليم والذي يحاول بعض أعضاء الهيئات التدريسية من الشرفاء التصدي له، وإلا كيف نفسر قيام رئيس لجنة معينة بتهديد إدارة مدرسة ومنعها من تنظيم ندوة سياسية ثقافية، وكيف نفسر الغموض الكبير في كل ما يتعلق بقضايا التخطيط والبناء المتعلقة بمستقبل بلداتنا، وكيف ننظر إلى إغلاق مركز جماهيري وتحويله إلى مقر للشرطة الجماهيرية!
ان الواقع الجديد في العديد من البلدات العربية يحتم وضع إستراتيجية جديدة، ترى في اللجان المعينة خطر يجب كنسه، تضعها الحركات السياسية ( لا بأس أن يكون ضمن جدول أعمال المتابعة ولجنة رؤساء السلطات المحلية)، وأعتقد انها قادرة على فعل ذلك، لأنه على الرغم من الواقع المعقد والصورة السوداوية التي عرضتها، إلا أن هنالك ما يبشر بالخير، ونشأة اللجان الشعبية الموحدة للتصدي للجان المعينة ومراقبتها هو خير دليل على ذلك، رغم ما تحتاجه هذه اللجان من تنظيم والعمل وفق برنامج شامل له أهداف محددة، ودعم أكبر من الحركات الوطنية والأحزاب العربية.
نحتاج أن ننهض سريعاً لأن العديد من البلدات العربية ستكون في مهب الريح، يقف فيه العديد من رؤساء المجالس البلدية أمام هيل من الإبتزازات السياسية السلطوية ستكون لها عواقب وخيمة، وبالتالي تحقق السلطة مآربها.


( الجليل)