السبت، 26 يناير 2008

أهالي البقيعة يقبعون تحت حصار اقتصادي خانق بعد الهجمة الدموية على القرية..



أيام دامية قضت وصبغت البقيعة بأحمر الدم بفعل اطلاق النار على الأهالي من قبل الشرطة الاسرائيلية وحرس الحدود. لم تفاجئ هذه الحملة المسعورة في ساعات الظلمة، التي طبل لها الاعلام العبري، الأهالي بحسب روايتهم، لأن مشاعر الإستياء لدى هؤلاء " العرب الدروز" في السنوات الاخيرة طغت على "الولاء" للدولة" كما أحبت المؤسسة الاسرائيلية أن تسميه. فسياسة الحكومة الاسرائيلية من مصادرة وتمييز كانت كفيلة بالتأكيد على ضرورة التمسك بالهوية القومية، والاستعداد لمواجهة السياسية العنصرية التي تستهدف أرضهم وثقافتهم.قصدت البقيعة بعد أن وصل التحريض على أهلها ذروته وغاب قرع الطبول (ربما مرحليا)..هل هذه البقيعة؟ أكاد أن لا أصدق! أين الحافلات وأين المجموعات التي أعتدت أن أشاهدها عند دخول القرية ؟!: شوارع خلت من الزوار والسياح، ومواقف الحافلات على جانبي الشارع خالية !، الكراسي مقلوبة عكسيا، والصمت "يلهو" وحده ! ، قلت لنفسي هل الوقت ما زال باكرا، وهل غادر الزوار القرية نهاية الاسبوع؟ أجبت نفسي: " أسأل أهل مكة فهم أعلم" !


مخطط نفذ بعد تحريض يهود متطرفين..

مدخل البقيعة..التقيت هايل عامر في مطعمه المعروف "مطعم المغارة" كان جالسا يحتسي القهوة وزوجته. سألته: "كيف الوضع اليوم"؟فأجاب سريعا: "ما تشهده الآن هو ما نحن عليه منذ اليوم التالي للمواجهات"، وأضاف: "لم يدخل الى المطعم من اليهود منذ ذلك اليوم سوى أفراد لا يتجاوز عددهم أصابع اليد، مع أن هذا المكان كان يرتاده العشرات واحيانا المئات في اليوم، كانوا يقصدونه من أبعد المناطق حتى من تل أبيب والقدس.. بعضهم قال لي نحن نعرف اهالي البقيعة منذ سنوات والشرطة أخطأت عندما هاجمتكم". - كيف ترى الأوضاع في القرية بشكل عام؟ - خراب بخراب ما تشاهده هنا هو ما ستراه في كل مطاعم ومتاجر القرية، لقد عملت الشرطة على تشويه سمعة القرية بعد أن اعتدت علينا وهاجمتنا، هذا الوضع الذي يريدونه اليوم، يريدون ان يعاقبونا ويعلمونا درسا يا أخي". - ماذا حصل؟ كيف حدث هذا الزلزال؟- قبل كل زلزال هنالك مؤشرات، لا تظن أن الهوائية التابعة لشركة الاتصالات هي التي جعلتهم يهاجمونا، بل إنه مخطط نفذ بعد تحريض من يهود متطرفين من جماعة كهانا وأمثالها الذين يحاولون تهويد القرية وجلب الانظار اليها من اليمين والجماعات اليمينية المتطرفة الأخرى كي يهودوها، ولهذا اعتمدوا أسلوب المواجهة معنا، وحرقوا بيوتهم واتهمونا، كي يصوروا للرأي العام أن العرب يعتدون عليهم ويكرهون اليهود".- وماذا مع الجيران القدامى كيف عشتم كل هذه السنوات؟- كان حسن جوار بين كل الديانات، بلدتنا كانت على ما يرام حتى أخذ جهاز الشاباك يجند متعاونين يهود كي يخربوا البلد من جميع النواحي"..ويضيف عامر: " انا اسكن وسط البدة في ساحة العين وقبل نحو عامين دخلت سيدة يهودية متطرفة إلى الحي الذي يعج بالزوار اليهود يوميا، وكل ما كان يشغلها هو إقصاء الزوار والسياح اليهود من القرية، كانت تقول لهم: لماذا تشترون من عندهم؟ لماذا تأتون إلى هنا فأهل البقيعة هم حزب الله و مخربون؟.وأردف عامر متسائلا بغضب: "لقد وقع في البقيعة في الأعوام الاربعة الاخيرة جريمتا قتل لشابين، لماذا لم تكشف الشرطة ولم تتوصل الى الفاعلين حتى اليوم؟، ماذا مع حرق السيارات بالجملة؟ هم لا يفعلون شيئا، وبحجة هوائية يحولون القرية الى حمام دم! كل هذا بسبب كوننا عربا، ونحن نقول لهم إننا فخورون بعروبتنا وقوميتنا، وأطالب القيادة العربية الدرزية بالعمل لإلغاء الخدمة الإلزامية عن الشبان الدروز، كل الحديث عن مساواتنا هو كذب، ماذا عن التمييز في الميزانيات ومصادرة اراضي في البقيعة والكرمل وفي كل مكان؟! هل هذه مساواة؟".
أكملت طريقي.. مصالح تجارية مغلقة وأخرى خالية من الزبائن، طاولات بلا ضيافة، وأصحاب المتاجر يتكئون على مداخل مصالحهم! يستمتعون ربما بشمس الخريف التي أطلت بعد أن فارقتهم لأيام إجلالا لرحمة الرب عليهم وخير المطر، ينتظرون أن يزورهم البشر ليرتزقون ويعيلون عائلاتهم كما كان يوماً.
سرت في طريقي أستمتع مثلهم بأشعة الشمس وبمنظر أشجار التين والكرمة التي تميز القرية، حتى وصلت فندق القرية، المشهد مؤلما.. لا حافلات في الموقف ولا سيارت حتى.. سألت الجيران، هو السؤال بعينه: "كيف الوضع" ونظرت الى اليافطة ( فندق البقيعة)، أجابوا: " الحمد لله أسوأ من الذي تشاهده لن يمر علينا، بطالة "لا شغله ولا عمله"!

يفرضون علينا حصارا اقتصاديا ومقاطعة تامة..

في الجهة المقابلة "ملتقى الوادي- لبنة – زيت وزعتر"، المشهد ذاته طاولات من البلاستيك "طلقها" الزبائن، التقيت أم جمال صاحبة الملتقى، فقالت: "الوضع الاقتصادي على عتبة الانهيار، الحركة التجارية كانت نشطة وشكلت عاملا مركزيا في حياتنا وحياة اهالي البلدة". "الزوار اليهود وهم الشريحة الاوسع أصبحوا يخشون القدوم الى البلدة، وخسائرنا الاقتصادية فادحة وشبيهة بأيام الحرب على لبنان، وزارة السياحة تقصد معاقبتنا ولا تشجع أحدا على القدوم الى هنا بل هنالك معلومات وصلتنا تفيد أن وزارة السياحة تحذر الزوار اليهود من القدوم الى هنا"."أصبحنا أعداء، بعد ان فرضوا حصارا على قريتنا استمر لأيام.. يفرضون علينا اليوم حصارا اقتصاديا ومقاطعة تامة، لقد فقدنا الثقة بكل هذه المؤسسات، يريدون منا ان نستسلم ونكون ضعفاء، ويساومونا على لقمة عيشنا التي نكسبها من المصالح التجارية"..ومضت أم جمال: "هذا عقاب مبرمج ليس من الشرطة فحسب بل من أعلى المستويات في الدولة، نحن نتوجه إلى النواب العرب في الكنيست الذين نقدر وقفتهم الى جانبنا بمتابعة القضية، وعدم السماح باغلاق ملف الاعتداء علينا دون معاقبة المسؤولين. وعبر صفحاتكم أقول لأعضاء الكنيست في الأحزاب الصهيونية بأن يكفوا عن التلاعب بقضيتنا وبيعها مقابل مصالحهم الشخصية. نحن فقدنا الثقة بهذه الدولة على الرغم من أننا خدمناها كثيرا ومنذ الآن فصاعدا لا أحد سيتجند للجيش وسأعمل كل ما بوسعي وسأمنع ابني من الذهاب للجيش إذا لم يرفض هو"!!
غضب في البقيعة، هو الحديث نفسه في كل مكان وكل زقاق من أزقتها القديمة التي قل مثيلها. بضع أمتار من "ملتقى الوادي" تجلس "هدى" الى جانب زوجها في " ملتقى ريا" ، تقول: " أنا أم لخمسة أولاد، اعتشنا من هذا المكان الذي يقدم المأكولات الخفيفة والمشروبات.. اليوم أصبحنا نخاف المستقبل، كيف سندفع الدفعة الشهرية من القرض الاسكاني "المشكنتا"، نحن نطالب الحكومة بتعويضنا عن الخسائر الفادحة التي لحقت بنا بسبب العنصرية ضدنا".
إذا رزقني الله اطفالا فلن يخدموا في الجيش يوما..
إلى المكان حضر عروة خير، شاب في العشرينات من عمره، " أنا صاحب مطعم "المنقوشه" وأشار بيده الى المطعم، ومضى يخاطبي بصوت واثق غاضب " يشنون حربا علينا حرب الرصاص مضت واليوم حرب اقتصادية، هم يريدون ان نركض وراء لقمة العيش ونصل الى حد " ننهش ببعضنا" بسبب الاوضاع"!وتابع: "لدينا معلومات أن الشرطة وأجهزة الامن تمنع مجموعات السياح من القدوم الى هنا".ويضيف: " نحن في عهد جديد ولن نرضى بعد اليوم بعدم المساواة، وكل من ظن اننا في جيبهم فهو ليس على صواب، هم يدخلون الجنود الى القرية، أقسم لك إنني سأعمل كل ما بوسعي لمحاربة التجنيد الاجباري، وإذا رزقني الله اطفالا فلن يخدموا في الجيش يوما"، "نريد أن "نشحد" ولن نساوم على كرامتنا أبدا"!

"زار أهالينا سورية والتقوا عائلاتهم بفضل د.بشارة.."..
كل شيء سياسة هكذا يقول الأهالي، الحديث عن المعاناة الاقتصادية ليس تقريرا اقتصاديا، هذه هي صورة الوضع في البقيعة، استنكار واستهجان وتخوف مما هو آت، ومما تخفيه الايام من مخططات التعامل مع أهالي القرية. وهم يؤكدون: "أن كل محاولات الدولة لفصلهم عن المجتمع العربي ما هي الا وهم، المساواة من الصنف الذي تتوقع الدولة ان نقبله لن نرضى به يوما".شهادات بالجملة، والحديث لا ينتهي، كل يطرح وجهة نظره والصفحة تطوى وراء الاخرى. بعد حديث طويل أطل علينا في المقهى الشاب نايف خير – صاحب مصنع للشايش واخذ يشرح معاناته الاقتصادية ومضى يقول: " انا خدمت في الجيش الاسرائيلي، لكنني نادم جدا، دائما قالوا لنا أنظروا الى الدروز في سوريا كيف يعيشون هناك ويعانون المجاعة"، ومضى يقول: " زار أهالينا سوريا والتقوا بعائلاتهم هناك بفضل ومساعدة الدكتور عزمي بشارة الذي نكن له أحتراما كبيراً، في سوريا أخواننا الدروز يعيشون بكرامة، واذا كانت الكرامة تقاس بما نأكل وأين نبيت فأنا أقول يا مرحبا بالفقر لانه لا يعيب أحدا".

"حالنا كحال الفلسطينيين في الخليل"..
أنهيت جولتي في البلدة القديمة أو ما يعرف بحي "ساحة العين"، وهو أكبر تجمع تجاري في القرية، يمتاز بتصميمه التاريخي ... ساحة أشباح .. صمت مخيف لا يكسره الا حديث مجموعة من "المتطرفين" كما وصفهم احد الشبان الذي التقيته الذي أخبرني: "هذه المجموعة قدمت منذ يوميين الى هنا وكانوا يقفون على أسطح منازل اليهود وهم يحملون بنادقهم" ومضى يقول: هكذا تريد الحكومة أن تجعل المكان، بالضبط كما حالة الفلسطينيين في الخليل، هكذا كتب علينا ان نعيش في هذه البلاد!

ليست هناك تعليقات: